Search

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الاثنين من الأسبوع السادس من الصوم الكبير

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الاثنين من الأسبوع السادس من الصوم الكبير

تتضمن الحث على التوبة .

مرتبه على قوله تعالى بفصل الإنجيل :

" إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون "

( لو 13 : 1 – 5 )

     قد سمعنا الآن يا أخوتى قوله تعالى : " إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون " فلنندم على ما فرط منا ما دام على ذلك نافعاً . و لنتب عن خطايا ما دامت التوبة ممكنة الآن . لأن هذا هو عالم التقلب من حال إلى حال . فمتى أردنا التوبة تيسر لنا فيه الإقلاع عن الآثام و الترقى إلى درجة الصلاح .

     وإذا كان البعض قد عملوا ذلك قبل الدعوة المسيحية بنا نحن أن نعمل مصل ذلك بعد ورودها .وإلا فما هو الشئ الذى أمرنا به الرب يسوع ولم نقدر على فعله ؟ هل أمرنا الصوم دائماً ليلا ونهاراً ؟ كلا . أم بالصدقة من حيث لا يوجد ؟ كلا . وهل يحتاج الشئ الذى أمرنا به إلى أمور ليست فى استطاعتنا ؟ حاشا . بل إلى نفس شجاعة مطيعة فقط . لانه ما هى الاشياء التى كانت للرسل حتى عملوا بها ما عملوه ؟ أما كانوا يطوفون بقميص واحد ويلا حذاء ولا عصا ؟ وقد قهروا العالم بتلك الحالة .

     فلا نتعطل بكثرة الخطايا وعظم ثقلها عن تقديم التوبة الحقيقية والقيام بأعمالها . لان ثقل وعظم الخطايا مهما كان لا يقوى على قوة التوبة الحقيقية . وهذه حقيقة ثابتى مقررة من السيد له المجد القائل : " انى لم آت لادعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة " ( مت 9 : 13 ) .

     فإن قلت ما هى التوبة وما هو طريقها ؟ قلت إن التوبة هى الاعتراف بالخطية مع العزم بعدم الرجوع اليها . أما طريقها فهو النفور من الخطية مع سكب العبرات ، وانسحاق القلب مع الصوم و التقشف وما أشبه ذلك . فمن تاب توبة صادقة كهذه ينال صفحاً تاماً .

     ولتورد على ذلك بعض الأمثلة من الكتاب المقدس ليتبين لكم الفرق بين التوبة الحقيقية و التوبة الكاذبة :

     ان داود النبى قد أخطأ خطيتين عظيمتين : الأولى خطية الزنى . و الثانية خطية القتل ( 2 صم 11 : 2 – 25 ) . فقال له ناثان النبى : " لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر فى عينيه . قد قتلت أوريا الحثى بالسيف و أخذت أمرأته أمرأة لك . فقال داود لناثان قد أخطأت إلى الرب . فقال ناثان لداود . الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك . لا تموت " ( 2 صم 12 : 9 – 14 ) . و كثيرون أخطأوا وتابوا فقبلت توبتهم كزكا ( لو 19 : 1 – 9 ) و بطرس ( مت 26 : 69 – 75 ) .

   وأخطأ يهوذا إذ سلم سيده للموت . واعترف أمام رؤساء الكهنة والشيوخ قائلا : " قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً " ( مت 27 : 3 و 4 ) . إلا انه مضى وطرح الفضة ثم خنق نفسه ( مت 27 : 5 ) . ولذلك لم يسمع كداود : " الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك . لا تموت " . لماذا ؟ لأن يهوذا تاب واعترف ولكنه لم يباشر أعمال التوبة كداود . بل " طرح الفضة فى الهيكل وانصرف . ثم مضى وخنق نفسه " .

     فتوبة كهذه مضرة بصاحبها وعديمة الثمر . لانها أثمرت شراً بدل الفضيلة . وسخطاً وغضباً بدل الدموع والصلاة . ويأسا وقنوطاً بدل الرجاء . وأثمرت انتحاراً بدل الشفقة والرحمة .

     وكثيرون كيهوذا أخطأوا وتابوا . ولكونهم لم يباشروا أعمال التوبة الحقيقية فلم تنلهم توبتهم سوى الشر والهلاك . نذكر منهم فرعون الذى قال مرتين أخطأت واعترف أمام موسى وهرون ( خر 9 : 27 و 10 : 16 و 17 ) . فتوبته الكاذبة قد غرقته فى البحر مع جميع مركباته وجنوده ( خر 14 : 28 ) .

     وكثيرون فى ايامنا هذه يتوبون ويعترفون بخطاياهم أمام أبيهم الروحى . ويبتعدون عن الخطية يوماً أو أياماً إلى أن يتناولوا الاسرار المقدسة ليظهروا أمام قومهم تقواهم المصطنعة وتدينهم الكاذب . وفاتهم أن التوبة بدون أعمال الندامة باطلة وميتة .

     على أنه خير للأنسان جداً لا يخطئ أصلا . وإن إخطأ فليتب سريعاً . والله يغفر له كوعده الصادق على لسان نبيه القائل : " فاذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التى فعلها وحفظ كل فرائضى وفعل حقاً وعدلا فحيوة يحيا لا يموت . كل معاصيه التى فعلها لا تذكر عليه فى بره الذى عمل يحيا " ( خر 18 : 31 و 32 ) .

     أما إذا أصر على الخطية ولم يتب . فلا مقر له من الهلاك الأبدى كقوله تعالى : " إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 13 : 5 ) .

     أيها الأحباء إن الله يدعونا إلى التوبة ( مل 3 : 7 ) . فهلم بنا إلى العمل مسرعين لأن الذى يتأخر عن التوبة الآن سيأتيه زمان يطلب فيه الله فلا يجده غفوراً . كما قال له المجد " أنا معكم زماناً يسيراً ثم أمضى إلى الذين أرسلنى . ستطلبوننى ولا تجدوننى " ( يو 7 : 33 و 34 ) .

     أنى أرى كثيرين يقرعون صدورهم قائلين أخطأنا . و يظنون أن قلوبهم تنطق معهم بهذا اللفظ . فاقول لهم ولا مثالهم . إنه ليس كل من يقول أخطأت أخطأت ينال غفراناً كما أنه " ليس كل ما يقول يارب يارب يرث ملكوت السموات " ( مت 7 : 21 ) . لأنى أرى فى الكتاب المقدس أن يهوذا قال أخطأت أمام كهنة اليهود ومشائخهم ( مت 27 : 3 ) . كما قالها شاول الملك أمام صموئيل النبى ( 1 صم 15 : 24 – 34 ) . وقالها أيضاً داود الملك أمام ناثان النبى . إلا أن واحداً من هؤلاء فقط سمع الجواب الصريح بالغفران وهو داود ( 2 صم 12 : 13 ) .

     وذلك لأنه داود قالها من القلب حقاً ( مز 51 : 1 ) . و هذا ثابت فى صلواته و تقشفاته الواضحة فى سفر المزامير .

     فهل تريد أيها الحبيب أن تتعلم التوبة عن النبى داود فتصرخ من أعماق قلبك قائلاً معه . " أرحمنى يا الله كعظيم رحمتك " ( مز 51 : 1 ) . أو تقول " أغسلنى كثيراً من أثمى " أو تقول . لأنى عارف بمعاصى وخطيتى أمامى دائماً ( مز 51 : 2 و 3 ) .

     إن كنت تريد ذلك فلا تؤخر التوبة والرجوع إلى الرب ولا تتباطأ من يوم إلى يوم . فإن غضب الرب ينزل بغتة ويستأصل فى يوم الانتقام ( اين سيراخ 5 : 8 ) .

     فلا يظنن أحد أن الزمان تحت سلطانه . فيصرف أيام شبابه فى ارتكاب الذنوب معللا نفسه بأنه فى زمن الشيخوخة يتوب . ويفعل مثل ذلك الجاهل الذى جمع كل غلاته وملأ مخازنه وقال لنفسه يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة . استريحى وكلى وأشربى . فنزل غضب الله عليه بغتة ولم يمهله ساعة من الزمان ( لو 12 : 16 – 21 ) .

     فسبيلنا إذن إيها الاحباء أن نبادر إلى التوبة والندامة مسرعين . وان نكفر عن المآثم بالصلوات والتضرعات كل حين . مفتدين الخطايا بالصدقات . مطهرين قلوبنا بسكب العبرات . مكملين أعمال التوبة لنحظى بملكوت السموات . بتحنن إلهنا ومخلصنا الذى له المجد إلى الأبد . آمين .