Search

المقالات

الأنبا ثاؤفيلس


الأنبا ثاؤفيلس

 

ولد المتنيح الأنبا ثاؤفيلس بقرية الريدانية من أبوين تقيين كان أبوه يدعى صادق بانوب وزوجته حنه وهى أسرة تقية بارة تخاف الله وكان أبوه ناظراً Anba Thaofelesلأوقاف كنيسة السيدة العذراء بالريدانية وقد رزقهما الله بأربعة أبناء أتقياء كان أكبرهم إبنهما البكر عبد الشهيد صادق بانوب ( المتنيح الأنبا ثاؤفيلس ) وكان ميلاده 10/3/1908م ( الموافق أول برمهات عام 1624ش ) وقد شجعه عمه على محبة الله وكان يدعى القمص مترى بانوب وكان يأخذه معه فى كل قداس يصليه ويعلمه علوم الكنيسة وطقوسها وكان يعترف عليه بصفة مستمرة حتى وقت ذهابه إلى الدير للرهبنة وكانت لأسرة عبد الشهيد منزل فى شارع تعبان بقرب العزباوية ( مقر دير السريان ) وكانت الأسرة تقيم من وقت لآخر بهذا السكن وإعتادت والدة عبد السهيد أن تأخذ معها إبنها وتذهب إلى العزباوية لأخذ بركة أم النور والبئر الذى شربت منه العائلة المقدسة وفى العزباوية كثيراً ما كانت تتقابل مع القمص مكسيموس السريانى رئيس دير السريان فى ذلك الوقت فكان كل مرة يقول لها ( ابنك ده مش بتاعك ) فكانت تمضى راجعة إلى منزلها وهى تحفظ هذا الكلام متفكرة به فى قلبها.


بدأت تظهر علامات الذكاء والنبوغ على الطفل عبد الشهيد منذ حداثته وبدأ ينمو جسدياً وروحياً وشق طريقه بنجاح فى مجال العلم فكان متفوقاً فى دراسته فى جميع المراحل التعليمية وأنهاها بحصوله على " دبلوم صنايع / قسم ميكانيكا " وكان هذا المؤهل فى وقته ذا مكانه عاليه فهو يعادل الآن بكالريوس الهندسة .


كان أحد آباء رهبان البرموس يزور قرية الريدانية التى تقطنها أسرة عبدالشهيد ونظراً لمكانة والده المقدس صادق بانوب كان هذا الأب الراهب يزور هذه الأسرة ويبيت لديهم ويتحدث معهم عن الآباء الرهبان القديسين وعن البرية المقدسة وجمال العشرة مع السيد المسيح فيها فتأثرت نفسية عبدالشهيد المرهفة بهذا الكلام الروحى فأحب الرهبنة جداً من خلال محبته لهذا الأب الراهب وإشتاق أن يصبح راهباً يوماً ما .


ففى يوم ما بعد أن أعلم عمه وأب إعترافه القمص مترى بانوب بما ينوى من تحقيق رغبته والذهاب إلى دير الأنبا صموئيل للرهبنة. خرج فى طريقه وهو فى غاية الفرح إلى أن وصل إلى دير الأنبا صموئيل المعترف وبعد أن قضى فيه أياماً قليلة جاء والده خلفه إلى دير الأنبا صموئيل ليبحث عنه بعد أن علم من أخيه القمص مترى بانوب عن مكان إبنه عبد الشهيد وأحضر له الرهبان ابنه عبد الشهيد لعله يهدأ من ثورته عندما يراه وحاول عبد الشهيد إقناع والده بأن لا يقف عائقاً فى تحقيق رغبته وحاول أيضاً معه بعض الرهبان ولكن كل المحاولات باءت بالفشل إذ صمم المقدس صادق بانوب أن يأخذ ابنه معه ورجعا إلى منزلهم فى الريدانية .


ورغم كل هذا لم تنطفىء محبة الحياة الرهبانية داخل قلب عبد الشهيد بل إزدادت إلتهاباً وتصميماً على معاودة الذهاب للدير مرة أخرى ولكن فى كل مرة كان يذهب فيها عبد الشهيد إلى دير الأنبا صموئيل كان والده يرجعه من هناك.وبعد آخر مرة رجع فيها المقدس صادق بانوب مع إبنه عبد الشهيد فكر فى أن يخطب لإبنه حتى ييأس من تحقيق هدفه ولا يعاود الذهاب مرة أخرى إلى أحد الأديرة فخطب له بنت أحد الأعيان من قريته وفرح الوالد بتنفيذ خطته ظناً منه إنه بهذا يمنع ابنه من تنفيذ رغبته ولكن إستمرت شهوة الحياة الرهبانية متأججة فى قلب ومشاعر عبد الشهيد.
ففى يوم ما خرج عبد الشهيد منطلقاً إلى دير السريان تاركاً خطيبته وأسرته وهو عازم من كل قلبه ألا يرجع مرة أخرى إلى العالم مهما كانت الأسباب ومهما حاولت أسرته وفى هذه المرة إستسلم أبوه لمشيئة الله ولم يخرج وراء إبنه ليرجعه ولكن أمه تأثرت جداً وإستمرت تبكى عليه أياماً كثيرة إلى أن سافرت بالقطار مع زوجها لزيارة القدس والأماكن المقدسة فى عام 1936م وأثناء وجودها فى كنيسة القيامة مر أمامها الأنبا ثاؤفيلس مطران القدس وهو يبخر أمام الأيقونة فرفعت قلبها إلى الله وقالت له فى عتاب " أنت حكمت وأخذت إبنى أحكم أشوفه زى ده ( أى مثل المطران ) وبعد الإنتهاء من زيارتها إلى القدس رجعت إلى بيتها فى الريدانية ورفع عنها الله الحزن الذى كان يملأ قلبها وشملها الفرح والبهجة وقد تحققت دعوتها وعاشت إلى أن رأت إبنها أسقفاً ورئيساً على دير السريان بإسم الأنبا ثاؤفيلس.


وفى يوم 29 يناير عام 1926م الموافق 21 طوبة 1644ش قام القمص جرجس أبو كفه برسامة الأخ عبد الشهيد راهباً بإسم الراهب ثاؤفيلس ( ومعناه محب الإله).


أثار الشيطان غيره وحسد البعض على الراهب ثاؤفيلس السريانى حاسدين إياه على درجته العلمية النادرة التى كان يتمتع بها دونهم وعلى فوزه بمحبة غالية من رهبان الدير إلا أن الراهب ثاؤفيلس لم يهتز ولم يتزعزع لأن جب الرب يسوع كان يملأ قلبه حتى لمن يبغضه أو يعامله بقسوة فقابل الجحود والقسوة بالحب والغفران حتى كللته السماء وعوضه الله عن إحتماله للظلم والطرد والإهانة فقام البابا يؤانس التاسع عشر( البابا 114 ) برسامة الراهب ثاؤفيلس قساً فأصبح كاهناً خادماً للأسرار الإلهية وعاد النور يشرق فى حياته بعد فترة الظلمة التى إحتملها بلا تذمر.


وقد أرسل القمص مكسيموس رئيس الدير بعض الآباء الرهبان الذين تمت رسامتهم قسوساً للدراسة بالمدرسة اللآهوتية بحلوان وكان يحصل على درجات عالية طوال فترة دراسته فيها وحتى تخرجه عام 1939م ثم تم تعيينه وكيلاً للدير بالمقر (بالعزباوية ) لأجل قضاء مصالح الدير وتوفير إحتياجاته حتى عام 1947م وفى عام 1946م تم ترقيته إلى رتبة القمصية بيد المتنيح الأنبا متاؤس مطران الشرقية.
وبعد نياحة الأب فلتاؤس السريانى رئيس دير السريان أجمع الآباء الرهبان بترشيح الأب القمص ثاؤفيلس السريانى ليكون رئيساً لدير السريان وقدموا تزكيتهم لقداسة البابا يوساب الذى صدق على قرارا تعيينه رئيساً لدير السريان بناء على رغبة الآباء الرهبان.


وفى يوم 25 /7/1948م قام البابا الأنبا يوساب الثانى برسامته أسقفاً على دير السريان ليكون أول أسقفاً على الدير وظهرت علامات أبوته ومحبته للآباء الرهبان وأشرق عليهم بنور فضائله العديدة فكان يتميز بالبساطة واإتضاع وطول الروح وفضيلة النسك والعطاء وفراسته وذكاءه ومحبته بكل راهب وبالكثيرين وإخلاصه للدير وأمانته ووفاؤه لسابقيه وكان يتميز بفضيلة إنكار الذات وإحترامه للآخرين وطيبة القلب.


ومن أهم الأعمال التى قام بها الأنبا ثاؤفيلس إحتضان الشباب الجامعى وفتح دير السريان للشبان فى أسبوع الآلام وإدخال مطبعة إلى الدير وبناء بيت خلوة للشبان وبناء عمارة قلالى للرهبان وبناء قلالى منفردة وبناء صهريج للمياه وبناء منارات عالية للدير وتشييد مبنى للضيافة وتوسيع المكتبة الإستعارية وإستصلاح الأراضى الصحراوية وزراعتها وإنشاء صرف صحى بالدير الأثرى والإهتمام بمقر الدير ( العزباوية ) وعزبة أتريس بالجيزة وشراء وبناء عمارات كأوقاف للدير والإهتمام بدير الأنبا بيشوى وتعمير دير الشهيد مارمينا بمريوط .



بعد جهاد من الزمن قضى نيافته فترة مرضية وكان من حين لآخر يتم علاجه بالقاهرة ثم يعود إلى الدير وكثيراً يرى السيدة العذراء والآباء القديسين قادمين ليأخذوه فكان يقول لها " أنتى جيتى يا أمى ، أنت جيت يا أبونا فلتاؤس – الرئيس السابق لدير السريان – طيب طيب " وأخيراً فى يوم 5/12/1989م فى مقر الدير بالعزباوية بالقاهرة حضرت الملائكة لتصعد روحه ويستريح من أتعاب هذا العالم وكان حوله  أبنائه الرهبان حيث قام نيافة الأنبا أثناسيوس - الأنبا غريغوريوس- الأنبا باخوميوس – الأنبا تيموثاوسالأنبا أرسانيوس – الأنبا بنيامين – الأنبا أمونيوس – الأنبا أنجيلوس- الأنبا متاؤس – الأنبا بسادة – الأنبا ساويرس – الأنبا بسنتى – الأنبا برسوم – الأنبا أنطونيوس – الأنبا متياس بصلاة التجنيز وألقى عظة العزاء فى القاهرة وفى الدير نيافة الأنبا أثناسيوس ثم دفن فى المقبرة التى قد أعدها لنفسه فى الدير ( تحت المنارة الجديدة )