Search

أهنئكم بعيد القيامة المجيد، راجياً لكم حياة سعيدة مباركة.

أهنئكم بعيد القيامة المجيد، راجياً لكم حياة سعيدة مباركة.

وبعد، أود أن أحدثكم فى هذا العيد عن قوة قيامة المسيح

كانت القوة ميزة ثابتة واضحة فى كل قصة التجسد: فى ميلاده المعجزى، وفى قيامته المعجزية، وفى صعوده المعجزى وجلوسه عن يمين الآب، بالإضافة إلى كل معجزاته وقوة كلامة وتأثيره.

فمن جهة قيامته، كانت قيامته قوة حاربها رؤساء اليهود بكل الطرق.

حاربوها بوضع حجر كبير على باب القبر، وختمه بأختام. وبوضع حراس على القبر مدججين بالسلاح. وبعد أن تمت القيامة، حاربوها بالأكاذيب والشائعات والرشوة، وحاربوها بالقبض على تلاميذ المسيح وجلدهم وسجنهم وتهديدهم بسبب مناداتهم بقيامته.

إن قيامة المسيح-بعد قتلهم إياه-كانت تزعجهم.

وكانت إثباتاً لبرّه. فلو كان مداناً، ما كان ممكناً أن يقوم بعد موته.

وبالتالى تدل قيامته على ظلمهم إياه، وعلى تضليلهم الشعب فى المناداة بصلبه. ولهذا قالوا لتلاميذه المنادين بقيامته "تريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع 5: 28)

وكانت قيامة السيد تحطيماً لعقيدة الصدوقيين الذين لا يعتقدون بالقيامة. وكانت قيامته دليلاً على لاهوته، إذ أنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد. الأمر الذى لم يحدث لأى ميت من قبل.

لقد تحدوه أثناء صلبه أن ينزل من على الصليب لكى يؤمنوا به. (مت 27: 40-44). ولكن قيامته من الموت، كانت أقوى بكثير من النزول عن الصليب. كما أن قيامته كانت دليلاً على أنه مات بإرادته، وليس قهراً. وأن صمته كان تدبيراً منه، وليس ضعفاً.

وكلنا نؤمن بقيامة المسيح فى قوة، كما قال القديس بولس الرسول: "لأعرفه وقوة قيامته" (فى 3: 10). ولكن السيد المسيح لم يكن قوياً فى قيامته، بل أيضاً كان قوياً فى قبره، وفى صلبه، وفى القبض عليه. ونحن نعترف بقوته كل يوم فى صلاة الثلاث تقديسات، إذ نقول له قدوس الله، قدوس القوى، قدوس الحى الذى لا يموت. ونعترف بقوته فى تسبحة البصخة إذ نقول له "لك القوة والمجد والبركة.."

لقد ظن رؤساء اليهود أنهم انتصروا عليه، حينما أغلقوا عليه فى القبر!

ولكن قوته-وهو فى قبره-كانت أعظم من كل قوة تقف خارج ذلك القبر.

كان فى القبر أقوى من الحراس الذين يحرسون القبر بكل أسلحتهم، وكان أقوى من الحقد الذى فى قلوب رؤساء الكهنة، وما ادعوه من انتصار كاذب عليه! بل كان أقوى من القبر ذاته، ومن الحجر العظيم الذى وضعوه على باب القبر. وكان وهو فى القبر أقوى من الموت. بل كان أقوى أيضاً من الشيطان، إذ بموته هزم الشيطان وفدى العالم.

كان وهو فى قبره مصدر خوف لقادة اليهود.

ولم يكن حبيساً داخل القبر. بل استطاعت روحه أن تنزل إلى أقسام الأرض السفلى (أف 4: 9)، وتكرز للراقدين على الرجاء، وتنقل أرواحهم إلى الفردوس. وتستقبل معهم روح اللص الذى اعترف بربوبيته وملكوته وهو معه على الصليب (لو 23: 43).

وكان المسيح قوياً فى عدم الدفاع عن النفس، أثناء محاكمته وصلبه.

قليلون لهم هذه القوة. بل تغلبهم الكرامة فيدافعون عن أنفسهم، ويثبتون أنهم أبرياء، أو أنهم على حق، أو أنهم يغلبون إذا تكلموا، ولكن السيد المسيح كانت له القوة التى تحتمل الظلم فى صمت، وتحتمل الإدعاء الكاذب، وكافة الاتهامات، والتحدى. وفى كل ذلك "لم يفتح فاه" (اش 53: 7)

لو أنه كان قد تكلم، لاستطاع أن يقنع ظالميه ومتهميه. وكم أقنعهم من قبل: لقد أبكم الصدوقيين (مت 22: 34)، والناموسيين. وأفحم رؤساء اليهود فى قضية السبت (مت 12: 2-8) وفى موضوع دفع الجزية لقيصر (مت 22: 15-22) "ولم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة" (مت 22: 46).

ولكنه فى تنفيذ قضية الفداء، كان صمته أقوى من الكلام.

وهكذا كان قوياً فى عدم الدفاع عن نفسه. إذ أن هدفه لم يكن انقاذ نفسه، بل خلاص الناس. لذلك لم يشأ أن يبرر نفسه من أى اتهام، إنما أن يخلص البشرية من خطاياها.

كذلك كان قوياً أثناء القبض عليه

ذهب بنفسه إلى المكان الذى يُقبض عليه فيه، وفى نفس الوقت الذى يأتى فيه الجنود مع يهوذا الخائن

وبكل قوة وقف أمامهم وقال لهم "أنا هو" (يو 18: 5). "فلما قال لهم أنا هو، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض". ولما أراد تلاميذه الدفاع عنه، منعهم من ذلك. ولما استخدم بطرس السيف الذى معه، قال له "رد سيفك إلى غمده .." (يو 18: 11) (مت 26: 52)

وهكذا كان كمن سلّم نفسه إلى أيدى أعدائه

لأنه بقوة- أراد أن يسلّم نفسه للموت، كما سبق أن قال: "إنى أضع نفسى لآخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها منى. بل أضعها أنا من ذاتى" (يو 10: 17، 18)

حقاً هذه هى القوة الذاتية الداخلية. وعلينا أن نأخذ منها درساً.

فلا نهتم بمظهر خارجى للقوة، بل نهتم بالقوة التى تعطى، والقوة التى تبذل ذاتها عن الآخرين. لأنه كما قال الرب "ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13)

ابذلوا اذاً ذاتكم، من أجل أخوتكم، لتساعدوهم على دخول الملكوت. لأن "من ردّ خاطئً عن ضلال طريقه، يخلص نفساً من الموت ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20)

كونوا بخير، وليكن الرب معكم