قصص من فردوس
بينما كان باخوميوس مع الأب بلامون، وافاهما راهبٌ قد استولت عليه الخيلاءُ والاعتداد بالذات. وإذ كان الوقتُ شتاءً، فقد كانت قدامهما نارٌ تشتعل. فلما رآها الأخُ الضيفُ، داخَلَه السُبحُ الباطل وقال لهما: «من منكما له إيمانٌ صادقٌ بالله، فليقف على هذا الجمرِ ويقول الصلاةَ التي علَّمها السيدُ لتلاميذِه». فلما سمع الشيخُ قولَه هذا، زجره قائلاً: «ملعونٌ هو ذلك الشيطان النجس، الذي ألقى هذا الضميرَ الفارغ في قلبك، فكفَّ عن هذا الأمر، لأنه من شيطان العُجب». فلم يحفل ذلك الأخ بقولِ الشيخ، ولكنه قال: «أنا، أنا». ثم نهض قائماً ووقف على ذلك الجمرِ المتَّقد كثيراً، وقال الصلاة الإنجيلية مهلاً مهلاً، ثم خرج من النارِ ولم تضرّه بشيءٍ، ومضى إلى مسكنِه بكبرياءِ قلبٍ. فقال باخوميوس للشيخ: «يعلم الربُّ، أني عجبتُ من ذلك الأخ، الذي وقف على هذا الجمر ولم تحترق قدماه». فقال له الشيخ: «لا تعجب يا ابني من هذا، لأنه بلا شك من فِعلِ الشيطان، ولأجلِ أنه لم يذلِّل لبَّه، تسامح الله في أن لا تحترق قدماه، كالمكتوب: إن الله يُرسل لذوي الاعوجاج طرقاً مُعوجّةً. ولو علمتَ يا ابني ما ينتهي إله أمرُه، لكنتَ تبكي على شقاوتِه». وبعد أيامٍ قليلةٍ، لما رأى الشيطانُ أنه جانحٌ لخداعِه تشكَّل بصورةِ امرأةٍ جميلةٍ جداً، متزينةً بثيابٍ فاخرةٍ، فجاءت إليه، وقرعت بابَه، ففتح لها لوقتِه، حينئذ أسفرت عن وجهِها وقالت له: «اعلم أيها الأب الخيرِّ أن عليَّ ديناً لأقوامٍ مقتدرين، وهم يطالبونني، وليس لي ما أُوفيهم، وأخشى أن يقبضوا عليَّ، ويأخذوني عبدةً لهم، لأنهم مسافرون، فاعمل جميلاً، وأْوِني عندك يوماً واحداً، أو يومين حتى يمضوا، فيكون لك من الله جزيلُ الأجرِ، ومني أنا المسكينة صالحُ الذكرِ». فأما هو فلصلفِ قلبهِ، لم يحسَّ البلاءَ الذي دُبِّر له، فقِبلها داخل قلايتهِ، حينئذ لعبت عليه أفكارُه، فعوَّل على معاشرتها، ومد يدَه نحوها ليتمَّ الفعلَ النجس، فلوقته باغته الشيطانُ وصرعه على الأرضِ، فضاع عقلُه وبقى مسبخاً كالميتِ نهاراً وليلةً، ثم عاوده رشدُه، فقام وجاء إلى الشيخ بلامون وهو باكٍ، فطرح ذاتَه بين يديه قائلاً: «أنا هو السبب في هلاكي، وعلة مماتي. لأني لم أُصغِ إلى كلامِك، ولذلك حلَّ بي ما حلَّ». وشرح ما حدث له، ثم طلب صلاةً، فلما قاما ليصليا عليه باغته الروحُ النجس، وطفر به طفرةً منكرة، ومضى مستكداً مسافةً بعيدةً، حتى وصل مدينة تُدعى بانوس، وبقى فيها ضائعَ العقلِ وقتاً، وأخيراً زج بنفسِه في تنورٍ متقد، حيث احترق فيه وهلك.