Search

أبونا أرمانيوس السريانى

أبونا الراهب القمص المتنيح أرمانيوس السريانى

 

ولد هذا الأب المبارك فى يوم عيد النيروز 11 سبتمبر سنة 1927م فأسماه والداه ناروزAbona Armanios ..

وكان الله أراد ان يبين كيف ان هذا الابن المبارك سيحيا حياة كالشهداء ،

حياةالاستشهاد بدون سفك دم والتى هى حياة الرهبنة المقدسة .
وفى سن صغير توفى والده فأصبح هو المسئول عن أسرته وعمل وجاهد كثيراً من أجل أسرته وقد بارك الرب كل أعماله .

وفى سن الواحدة والعشرين من عمره إنطلق إلى دير السيدة العذراء المعروف بالسريان وتم قبوله كطالب رهبنة فى عهد المتنيح الأنبا ثاؤفيلس رئيس الديرالذى كان يدقق جداً فى اختيار الرهبان الجدد وبعد فترة الإختبار تمت رهبنته فى يوم 4نوفمبر سنة 1948 باسم الراهب أرمانيوس السريانى .
ونظرا لخبرته فى فن الطباعة عرض أحد رهبان الدير على رئيس الدير أن يقوموا بشراء مطبعة تخدم الدير ويعمل فيها أبونا أرمانيوس وبالفعل أجاب الأسقف الجليل الطلب وقام بشراء المطبعة وعين أبونا أرمانيوس مسئولاً عنها وقام بترقيته قسا ..

وبعد فترة من الزمن توقف العمل فى المطبعة بسبب بعض الظروف التى مر بها الدير فانطلق أبونا أرمانيوس فى العبادة والجهاد الروحى ببساطة وإتضاع شابه فيهما الآباء السواح الأوائل فلم تكن له قلاية معينة فى الدير بل كان يتنقل من مكان لآخر فى الدير بلا أدنى راحة لجسده وكان ينام مفترشا جوالا ( شوال ) من أجولة الدقيق يفرشه على الأرض وينام عليه ويتغطى بجوال أخر .. وأغلب وقته فى الليل كان يقف منتصبا للصلاة والميطانيات .. كما كان أكله ضعيفا وقليلا جدا وكان يوهم الجميع بأنه يأكل اللحم والخضار الذى يوزعه الدير بينماكان فى الواقع يقدمه لقطط الدير .. كما كان أحيانا كثيرة ينام على مصطبة توجد بجانب الشجرة الأثرية التى للقديس مار افرام السريانى فى الدير بدون أن يفرش أى شئ تحت جسده .. لدرجة إنه ذات مرة كان الأنبا ثاؤفيلس يمر ومعه أحد الرهبان بجوار الشجرة ورأى أبونا أرمانيوس نائماً فقال للراهب الذى معه : ابونا أرمانيوس دا لغز يا بنى ،دا لغز مش قادر أفهمه . وحينما كان يكلمه أحد الرهبان ويطالب منه أن يزيد الغطاء الذى يتغطى به حتى يتفادى البرد الشديد كان يقول : فيه عناية .. فيه عناية وهو يقصد العناية الإلهية التى تحميه .. ولما كان الشخص الذى يكلمه يلح عليه فى الطلب كان يقول : يا بوى ده نظام .. ده نظام .

ويقول أحد رهبان الدير إنه كثيراً ما كانيرى أبونا أرمانيوس وهو نائماً على جنبه ورأسه مرفوعة عن الأرض غير مسنودة على شئ وأنه ظل يراقبه فترة طويلة فى ذهول شديد وهو لم يغير وضعه ورأسه معلقة فى الهواء !!

وكان أكله عبارة عن الفول المطهى الذى يقدمه الدير فقد كان يأخذه فى علبةمن علب السمن القديمة وبعد الانتهاء من الأكل لا يغسل العلبة بل يأخذ فوقها الأكل الجديد ولم يرضى مطلقا أن يغسل له أحد هذه العلبة بل كان يقول لمن يحاول ذلك : ضع الطبيخ الجديد فوق القديم .

وحدث ذات مرة أن الشعلة التى كان يستخدمها فى تسخين الأكل قد أشعلت بعض الاوراق بجوارها اثناء حديثه مع أحد الرهبان والعجيب أنها إنطفأت بسرعة دون أى أضرار فنظر الراهب المرافق له بدهشة فقال أبونا أرمانيوس ببساطة: لملاك جه وطفاها .. مش كدة ؟

 

وبعد مرور السنوات الطويلة ومع كبر سنه وشدة النسك والقسوة على جسده لم يعد جسده يحتمل هذه الطريقة فى التقشف وبدأت الأمراض تتسلل إليه فرأى رئيس الدير أن يعطيه قلاية جديدة فى المبنى الجديدلقلالى الرهبان فى الدير وقد كلف بعض الرهبان لخدمة أبونا أرمانيوس، لأنه كان يحتاج فعلا لمن يخدمه .

وعندما كان المرض يضطره للنزول إلى القاهرة للعلاج كان يبيت عند أحد احباؤه والعجيب أنه لم يكن يبيت فى شقة هذا الشخص بل كان ينام فى حجرة صغيرة فوق السطوح .

ورغم الفضائل الكثيرة التى تزين وتجمل بها أبونا أرمانيوس إلا إنه كان يخفيها بإستمرار بأفعال وأمور عجيبة تثير الحيرة فى نفوس كلمن يتعامل معه كما كان يبتعد دائما عن أى منصب يُسند إليه فى الدير فقد كان يخفى أصوامه الكثيرة بالتظاهر بأنه يأكل فى الصباح .. كما كان يحب أن يجمع الكراتين الفارغة والكراكيب الكثيرة حوله وكأنه يحب الاقتناء .. ورغم محبته للنظافة والطهارة الجسدية إلا أنه كان دائما ما يرتدى جلبابا مرقعا وقصيرا ويضع فوق رأسه طاقية قماش قديمة متهالكة ولم يكن يلبس جوربا فى قدميه على الاطلاق .

ولكن الرب عالمالخفايا والبواطن أظهر فضيلته وقداسته فى مواقف كثيرة فقد إشتهر بأنه يعلم كثيرا من الأمور المستقبلية ويرى أموراً لا يراها غيره .
فقد ذهب الرهبان ذات مرة إلى قداسة البابا شنودة الثالث ( أطال الرب حياته ) ليهنئوه بعيد من الأعياد الكبيرة وعند عودتهم إلى الدير سألهم ابونا ارمانيوس : هل رأيتم الحمامة ؟ فقالوا: أين ؟فأجابهم: كانت فيه حمامة واقفة فوق رأس البابا ، فتعجبوا وفهموا أنه رأى تلك الرؤيا التى لم يستطيعوا أن يروها هم .

وذات يوم كان قداسة البابا مسافرا للخارج وفى اليوم المحدد لعودته قال بعض الرهبان لأبونا ارمانيوس قداسة البابا سيصل اليومفأجاب : ولكن الطائرة التى سيصل بها قداسته ستتأخر ساعتين . وذُهل الآباء فيما بعدعندما علموا أن طائرة قداسة البابا قد تأخرت ساعتين بالفعل .

وبعد نياحة رئيس الدير السابق ( الانبا ثاؤفيلس ) إستمر الدير لفترة بدون رئيس أو أسقف وطلب الآباء أكثر من مرة من قداسة البابا أن يختار أسقفاً للدير، وذات مرة أرسل قداسته للرهبان يطلبهم بخصوص إختيار أسقف للدير وكان قداسته حينها فى دير الأنبا بيشوى الملاصق لدير السريان ، وعندما أخبر الآباء أبونا أرمانيوس بهذا قال لهم : الرئيس المختار سوف يكون جالساً بجوار البابا وهيكون بيضحك ومبسوط ، فذهب الآباء إلى ديرالأنبا بيشوى وعندما دخل قداسة البابا إلى القاعة المجتمعين بها كان معه عدداً من الآباء الأساقفة وجلس بجواره نيافة الانبا متاؤس وأعلن قداسة البابا أنه إختارنيافته ليكون أسقفاً ورئيساً للدير . وهكذا تم بالحرف الواحد ما قاله ابونا أرمانيوس للرهبان .

أراد أحد الإخوة العلمانيين ان ينخرط فى سلك الرهبنة فذهب لأبونا ارمانيوس ليأخذ بركته ومشورته فسأله أبونا أرمانيوس : من أين أنت ؟ فأجابه الراهب المصاحب له والمكلف بخدمته : الأخ من القاهرة يا ابونا ، فقال أبونا أرمانيوس : لأده من اسكندرية .. فلما خرجا من عنده قال الأخ العلمانى للراهب : كيف عرف أبونا أرمانيوس إنى من الأسكندرية ؟ ففى الحقيقة إنى أعيش فى مدينة القاهرة ولكنى بالفعل مولود فى الأسكندرية ..

أراد أحد الآباء أن يأخذ صورة مع أبونا أرمانيوس فى أحد الأعياد وطلب من الأب الذى معه الكاميرا أن يقوم بتصويرهما فقال له : خذ أولاً إذن أبونا أرمانيوس ، فذهب هذا الأب ليأخذ الإذن من أبونا أرمانيوس وقبل ان يفتحفمه قال أبونا : نادى على بتاع الصور عشان يصورنا .. وفعلا جاء أبونا المصور والتقط لهما الصورة ولكنهما تعجبا كيف عرف أبونا أرمانيوس ما سيطلبه منه دون أن يفتح أحدفمه ويكلمه .

كذلك منحه الرب درجة السياحة فقد قال الكثير من الآباء الذين كانوا يزورونه فى قلايته فى أواخر أيامه إنهم كانوا يسمعون أصواتاً وأضواءً داخل القلاية عند إقترابهم منها وعندما يفتح لهم الباب لا يجدون غيره .. كذلك كان أحيانا وهم جالسين معه وعندما يريد أن يدخل إلى الغرفة الداخلية للقلاية يسمعونه يقول : السلام لكم ،السلام لكم وكأنه يخاطب افرادا موجودين داخل الغرفة التى لا يوجد بها أحد ولا يجوز دخولها إلا له وحده .


كما حدث فى دير الانبا بولا بالبحر الأحمر هذه الحادثة العجيبة ففى هذا الدير توجد ماكينة لتوليد الكهرباء كان يأتى لها مهندس صيانة كل فتـرة وذات مرة جاء هذا المهندس إلى الدير وذهب للغرفة الموجود بها الماكينة وعندما فتح الباب وجد راهبا فى داخل الغرفة فأخرجه وأغلق الباب ولكن العجيب انه بعد فترة جاء وفتح الباب فوجد نفس الراهب مرة اخرى وتكرر هذا مرات كثيرة . وفى النهاية سأله المهندس : أنت مين يا أبونا ؟ فأجابه : أنا أرمانيوس ، مالكش دعوة بيا .. وإستغرب المهندس من رده وإضطر أن يخبر الأب المسئول عن الماكينة فقالله هذا الأب : عندما تجده مرة اخرى أغلق الباب بالمفتاح وتعال اخبرنى .. وفى اليوم التالى عندما فتح المهندس الغرفة فوجئ بهذا الراهب الغريب موجودا داخل الغرفة فعمل كما أوصاه الراهب المسئول عن الماكينة وأغلق الباب بالمفتاح وذهب ليستدعى الأب الراهب المسئول ، والأمر العجيب انهما لم يجدا أحدا عندما فتحا الباب فصمتا وفهما ان ذلك الأب هو من الآباء السواح القديسين .
وبعد نياحة أبونا ارمانيوس تم توزيع عدد من صوره إلى كثير من الأديرة ووصلت صورته إلى رهبان دير الانبا بولا وحدث أنرآها المهندس القائم بصيانة ماكينة توليد الكهرباء فى الدير فتعرف عليه وأخبر آباء الدير بذلك ولكى يتأكد الآباء إنه هو نفسه أبونا أرمانيوس السريانى قاموا بالبحث فى جميع الأديرة الأخرى عن راهب إسمه أرمانيوس فلم يجدوا أحداً آخر يحمل هذا الاسم فى أى دير آخر فتأكدوا أن هذا السائح هو أبونا أرمانيوس السريانى .


فى ليلة أحد الأعياد أرسل مركز الشرطة سيارة حراسة بها ما لايقل عن 50 شخصا بين ضابط وجندى وأراد رئيس الدير ان يرحب بهم ويكرمهم فأمر الراهب المسئول عن المطبخ بإعدادالشاى لهم فتضايق الأب المسئول لكثرة العدد لأن امكانيات المطبخ كانت ضعيفة جدا ( موقد كيروسين بدائى وبراد واحد لا يسع إلا إثنى عشر كوباً فقط ) ، ففوجئ هذا الراهب بأبونا ارمانيوس يأتى إليه قائلاً : إعمل الشاى واصبر .. فلما أعد البراد الأول أخذه على باب الدير ومعه الأكواب وبدأ يصب الشاى وكلما حاول أن يكشف الغطاء ليرى هل يوجد بقية أم لا يمنعه أبونا أرمانيوس قائلاً : لا تكشف الغطاء ، صُب فقط . وظل يصب مننفس البراد حتى شرب جميع أفراد الحراسة الخمسين منه دون أن ينقص وبعد آخر كوب كشف الراهب الغطاء فلم يجد فى البراد نقطة واحدة !! ففهم ان ماحدث تم ببركة صلوات أبوناأرمانيوس .

وفى الأيام الأخيرة من حياته أصيب أبونا أرمانيوس بتليف فى الكبد ورغم ذلك طلب من طبيبه الخاص أن يقوم معه بزيارة جميع الأديرة وكأنه ذهب ليودع الأديرة التى لن يعود يراها مرة أخرى . وكان يتألم كثيرا من هذا المرض وتألم معه الآباء رهبان الدير الذين كانوا يجدون فيه ذلك الأب الناسك العابد الذى تحمل كثيراً وأقمع جسده من أجل خلاص روحه ..
ولما اراد الله أن يريحه من تعب الدنياوينقله إلى الراحة الأبدية راح أبونا أرمانيوس فى غيبوبة عميقة نتيجة مرضه الشديد وأثناء ذلك رأى أحد شيوخ الدير القديسة مريم والأنبا ثاؤفيلس الرئيس السابق للدير قد حضرا ليحملا روحه الطاهرة التى أسلمها فى يدى الرب فى يوم 13 مارس سنة 1995م .. فتجمع الآباء حول جسده الطاهر ونقلوه بالألحان إلى كنيسة السيدة العذراء بالدير وقاموا بالصلاة على روحه الطاهرة برئاسة الانبا متاؤس رئيس الدير وبعض الآباء الآساقفة وبعد الصلاة حملوه على أعناقهم وطافوا به الكنيسة والدير كله إلى أن وصلوا إلى الطافوس ( مدفن الرهبان ) وهناك دفنوه بإكرام وتوقير .